الرئيسية / الإسلام والمعجزات الإلهيّة / ليلة القدر .. والألف شهر
فانوس رمضان .. سيظل مضيئا
قانوس رمضان .. سيظل مضيئا

ليلة القدر .. والألف شهر

تعودنا أن نقرأ سورة القدر (رقم 97 في ترتيب المصحف الشريف وهي مكيّة)، وأن نكرّر أنها خير من ألف شهر، دون أن نحاول معرفة تفاصيل الآية وإيضاح معاني مفرداتها وجملها حتى نفهم المقصود من النصوص القرآنية المحتوية عليها هذه الآية. وهذه مشكلة نواجهها في أي سورة عند قراءة القرآن بصفة عامة، كما أن التفاسير الموجودة طويلة وعقيمة وتجهد الشخص الذي يرغب في الحصول على معلومة مختصرة عن موضوع ما.

لماذا ألف شهر؟
كنّا نظن أن “ليلة القدر خير من ألف شهر”، هكذا، معلومة كاملة ولا تحتاج لبحث ولا تمحيص ولا تحتاج أن نسأل أو نستفسر، هكذا تعلمناها وحفظناها عن ظهر قلب ونقرأها في الصلاة، أليس من واجبنا أن نعرف لماذا ألف شهر تحديدا؟ وإذا كان هذا الرقم قد ذكر على سبيل المثال فأي مثال هذا؟ وإذا كان قد ذكر مقارنة بأمر ما لم تنص عليه الآية، أليس من حقنا أن نعرف ما هو هذا الأمر؟ فإذا تجرّانا وأجبنا بنعم، فسنجد أنفسنا أمام مسئولية ضخمة وحمل ثقيل لأنّ علينا أن نبحث عن الكتب والمراجع التي تضم أو يحتمل أن تضم إفادة عن الموضوع الذي نبحثه، ونحاول الحصول على إجابات للتساؤلات التي يثيرها البحث.

وأخيرا، تمكننا من جمع كل هذه المعلومات المتناثرة وتوحيدها في موضوع واحد يمكن من خلاله الإجابة التفصيلية الشاملة لموضوع ليلة القدر.

ما هو سبب نزول سورة القدر؟
الكثيرون منا يجهلون سبب نزول سورة القدر مع علمهم بفضل الليلة، فليلة القدر التي يقضيها الشخص في العبادة فَضْلُها خير من فضل ألف شهر ليس فيها ليلة قدر، والألف شهر تساوي ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر تقريبا ويختلف الرقم حسب السنة وهل هي ميلادية أم هجرية.

وأما عن سبب نزول سورة القدر فقد قيل أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد أحيط علما بأمر رجل من بني إسرائيل لبس السلاح وجاهد في سبيل الله ألف شهر. فتعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى ‏{‏إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ وَما أَدراكَ ما لَيلَةِ القَدرِ لَيلَةِ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرِ‏}‏ أي:‏ خير من التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح.

وعن علي بن عروة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين وذكر أنهم (أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون)، قال: فعجب أصحاب رسول الله من ذلك فأتاه جبريل فقال: يا محمد، عجبت أمّتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين فقد أنزل الله خيرا من ذلك فقرأ عليه (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر)

وهذا تفسير غير كاف وغير مقنع، فما هي المشكلة في أن يتعجب بعض الصحابة من 4 أشخاص عبدوا الله 80 سنة؟ ولولا أن عمرهم كان طويلا وسمح لهم بالبقاء 80 سنة لما عبدوا الله 80 سنة. وقد كان هناك أشخاص ورسل وأنبياء عاشوا فترات أطول بكثير من 80 سنة ولم يثير هذا فضول ولا تعجّب أحد! إذن فالتفكير المنطقي يقول بأن هناك أسبابا أخرى أو مبرّرات أخرى أدّت لنزول السورة وليس لمجرد أن شخصا عبد الله ثمانين عاما.
وبعد بحث في أصول ومراجع وتفاسير علمية وتاريخية ودينية كثيرة يمكن القول بأننا وصلنا إلى صورة أقرب إلى الحقيقة في شأن الأمر الواقع فعلا والله أعلم.

الأربعة الذين ذكروا في حديث رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) هم (أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون)، ولو رجعنا للتاريخ القديم لوجدنا أن الإسم الأكثر احتمالا في هؤلاء هو “يوشع بن نون” لأنه أقدمهم والأقرب لانطباق المواصفات عليه، فيوشع بن نون هو فتى نبي الله موسى عليه السلام الذي عرفناه لذكره في سورة الكهف (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو امضي حقبا)، وكان عمره في ذلك الوقت 10 أعوام أو 11 عاما، ونذره أهله ليكون تابعا لسيدنا موسى (أي تلميذا وخادما له) وظلّ معه حتى انتهاء فترة التيه في أرض سيناء (40 سنة) أي أن عمره وقت وفاة موسى عليه السلام كان 50 عاما على الأقل، وهو الذي نفّذ أمر الله سبحانه في فتح كنعان والانتصار على أهلها الذين كانوا يسكنون في حصون قوية كانت هي السبب في قول بني إسرائيل لنبيهم موسى عليه السلام عندما أمرهم بالاستعداد للحرب لفتح كنعان (اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولذلك غضب الله عليهم وحكم عليهم بـ (التيه) أي بالبقاء في صحراء سيناء تائهين حتى يموتوا جميعا فيها ولا يدخلوا أرض كنعان، وأن يكون دخول كنعان للجيل الجديد الذي ولد في سيناء أو كان طفلا عندما دخلها.

ودخل يوشع ابن نون مع أتباعه من بني إسرائيل إلى كنعان وكان أهلها مقاتلين أشداء وكان خوف بني إسرائيل من الحرب طول اليوم أنّ فترة النهار لن تكون كافية للسيطرة على المنطقة ولو حلّ الظلام وهم لم ينتصروا عليها بعد فسيخسروا الحرب لأنهم لا يعرفوا المنطقة ولا دروبها وخاصة أنها منطقة صحراوية متطرفة، وبالتالي فقد يخرج الآخرون لمحاربتهم ليلا فيخسروا الحرب، فدعا يوشع بن نون الله سبحانه لكي يؤخّر غروب الشمس إلى أن يتمكن بني إسرائيل من السيطرة على كنعان، وقد كان، ونجح يوشع بن نون في مهمته وفتح كنعان واحتلها واستمر في الجهاد في سبيل الله وعبادته بعد فتح كنعان إلى أن توفي عن عمر جاوز الثمانين عاما (ألف شهر) وعرف يوشع بأنه الرجل الذي جاهد في سبيل الله ألف شهر.

وعندما علم رسول الله محمّد عليه الصلاة والسلام بقصّة يوشع بن نون، شكى إلى الله قائلا: يا ربّ، أعمار أمّتي ما بين الستّين إلى السبعين، وأقلّهم (أي قليل منهم) من يجوز ذلك (أي من يتجاوز ذلك العمر). بمعنى أنّه إذا كانت أعمار المسلمين تتراوح بين ستين وسبعين عاما، فكيف يمكنهم أن يعبدوا الله أو يجاهدوا في سبيله ألف شهر؟ وإذا تكلمنا بلغتنا العادية فسنقول أنّ هذه مشكلة ليس للمسلمين يد فيها ولا يمكن تحميلهم مسئولية عدم القدرة على تنفيذها. وهنا تمنّى رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أن يطيل الله زمن جهاد المسلمين عسى أن ينال أحدهم ما ناله ذلك العبد الصالح “يوشع بن نون” من ثواب كبير. (توضيح: يوشع بن نون ليس هو العبد الصالح الذي كان يبحث عنه موسى عليه السلام والمذكور في سورة الكهف).

وهنا نزل جبريل عليه السلام بسورة القدر: إنّا (الله سبحانه) أنزلناه في ليلة القدر، أي أنزلنا القرآن الكريم (المحفوظ كاملا من اللوح المحفوظ) إلى “بيت العزّة” في السماء الأولى، ثمّ نزل بعد ذلك مفصّلا في أجزاء وموزّعا على 23 عاما بواسطة جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

وهناك تفسيرات كثيرة لكلمة “القدر” وأغلب الظن أنها تشير إلى الليلة التي قدَر أو قدَّ الله فيها كل شيء من خلقه، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر (أي أنّ عبادة الله في هذه الليلة كما أمرنا وكلّفنا، تساوي، بل هي أفضل من الجهاد في سبيل الله وعبادته ألف شهر، دون اعتبار لعمر المسلم)، تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كل أمر، أي أنّ الملائكة تؤمر فيها بالنزول إلى الأرض فيعمّ السلام فيها ولكثرة السلام وتبادل السلام بين المسلمين وبعضهم وكذلك السلام الذي يشعر به المسلم الذي يؤدي واجبه الديني كما أمره الله.
سلام هي حتى مطلع الفجر، أي أنها ليلة سلام يستمر حتى مطلع الفجر وعندما يطلع الفجر ينتهي هذا السلام حيث تعود الملائكة إلى أماكنها في السماوات العلى.

وفّقنا الله ووفّق عباده المخلصين ليقوموا على طاعته وعبادته كما أمرهم.