الرئيسية / الإسلام والمعجزات الإلهيّة / الإسراء والمعراج وخواتم سورة البقرة

الإسراء والمعراج وخواتم سورة البقرة

قصّة الإسراء والمعراج هي واحدة من القصص المتعددة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم. وسوف نذكر هذه القصة على مراحل نظرا لطولها وأهميتها في الفكر الإسلامي وما قيل ويقال بشأنه. وهذا الجزء يتعلق بالجزء الأخير من رحلة المعراج وما وقع فيها من أحداث ما زالت تشغل فكر المسلمين وعقولهم، والجزء التالي يرتبط بما جاء في سورة البقرة الآيات 284 و 285.

بعض ما جاء من أهل التأويل في بعض التفاسير:

الأولى: قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} روي عن الحسن ومجاهد والضحاك: أن هذه الآية كانت في قصة المعراج، وهكذا روي في بعض الروايات عن ابن عباس، وقال بعضهم: جميع القرآن نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم إلا هذه الآية فإن النبي صلى الله عليه وسلم: هو الذي سمعها ليلة المعراج، وقال بعضهم: لم يكن ذلك في قصة المعراج، لأن ليلة المعراج كانت بمكة وهذه السورة كلها مدنية، فأمّا من قال إنها كانت ليلة المعراج قال: لمّا صعد النبي صلى الله عليه وسلم وبلغ في السماوات في مكان مرتفع ومعه جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل: إني لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر أحد بمجاوزة هذا الموضع غيرك، فجاوز النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء الله، فأشار إليه جبريل بأن سلم على ربّك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: التحيات لله والصلوات والطيبات.

فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لأمّته حظ في السلام فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جبريل وأهل السماوات كلهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

قال الله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ} على معنى الشكر أي صدّق الرسول {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرك أمّته في الكرامة والفضيلة فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} أي يقولون آمنّا بجميع الرسل ولا نكفر بأحد منهم ولا نفرق بينهم كما فرقت اليهود والنصارى، فقال له ربه كيف قبولهم بآي الذي أنزلتها؟ وهو قوله: {َإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} يعني المرجع.

فقال الله تعالى عند ذلك: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} يعني طاقتها ويقال: إلا دون طاقتها. {لَهَا مَا كَسَبَتْ} من الخير {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} من الشر، والسبب هنا هو أن المسلمين شعروا بالضرر أو الغبن عندما نزلت الآية (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) أي: لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية، وهي التي لا يقصدها الحالف ، بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا تأكيد، (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم) كما قال في آية أخرى في سورة المائدة: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) [المائدة : 89] وهذا معناه أن الشخص إذا فكّر في ارتكاب خطأ أو عمل مخالف لأحكام الشرع، إن الله لا يحاسبه على ما جهر به من القول ولكن على ما استقر في ضميره بشأن ذلك، وعندئذ قالوا للرسول محمد عليه الصلاة والسلام (هذا يعتبر أمرا صعبا علينا فنحن قد نفكر في عمل معصية ولكن لا ننفذ ذلك ورغم ذلك يحاسبنا الله على أننا ارتكبناها لمجرد أننا فكرنا فيها؟ فقال جبريل عند ذلك: سل تعطه (أي: إسأل فيجاب سؤالك أو طلبك)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} يعني إن جهلنا {أَوْ أَخْطَأْنَا} يعني إن تعمّدنا، ويقال: إن عملنا بالنسيان والخطأ. فقال له جبريل: قد أعطيت ذلك، قد رفع عن أمتك الخطأ والنسيان. فسل شيئا آخر فقال: {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً} يعني ثقلا {َكمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} وهو أنه حرم عليهم الطيّبات بظلمهم، وكانوا إذا أذنبوا بالليل وجدوا ذلك مكتوبا على بابهم، وكانت الصلوات عليهم خمسين صلاة في اليوم، فخفّف الله عن هذه الأمة وحطّ عنهم بعد ما فرض خمسين صلاة. ولكن فرض الصلاة كان بالصلاة 50 مرة في اليوم وليس 5 صلوات كما هو الحال الآن، ولأن حكم الله لا يغيّر ولا يعدّل لأنه مثبت في اللوح المحفوظ، فقد خفّف الله عن أمّة محمد بأن جعل الصلاة بعشر أضعافها وهكذا خفّضت الصلاة من 50 إلى 5 صلوات في اليوم ولكنها تساوي 50 صلاة عند الله.

ثم قال: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} يقول: لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا، ويقال: ما تشقّ علينا، لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشقّ عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه {وَاعْفُ عَنَّا} من ذلك كله {وَاغْفِرْ لَنَا} وتجاوز عنّا، ويقال: {وَاعْفُ عَنَّا} من المسخ {وَاغْفِرْ لَنَا} من الخسف {وَارْحَمْنَا} من القذف، لأن الأمم الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال: {أَنْتَ مَوْلانَا} يعني وليّنا وحافظنا {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فاستجيبت دعوته.

وهنا قال له جبريل عليه السلام مرّة أخرى “سل تعطه” (أي: اسأل فيجاب سؤالك أو طلبك)، وهنا قال رسول الله محمّد عليه السلام: لن أسأل، أنا رضيت بهذا، وهنا تحققّ الوعد الذي وعده الله سبحانه إياه في سورة “الضحى” في قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربّك فترضى) وكانت السورة كلها قد نزلت في عام الحزن، وهو العام الذي توفي فيه عمّ الرسول أبو طالب الذي كان يدفع عنه أذى قريش ثم تبعته بعد شهر واحد من وفاته زوجة الرسول عليه السلام خديجة بنت خويلد التي كانت تسانده في الدعوة، ثمّ حدثت واقعة الطائف التي آذى فيها قوم ثقيف الرسول عليه السلام شرّ الأذى، وهو ما يقارب العام العاشر للبعثة (الثالث قبل الهجرة)، ثم كانت الخاتمة أن انقطع نزول الوحي على الرسول محمّد عليه السلام حتى بدأ كفّار قريش يعايرونه بأنه لم يعد رسولا وأن الوحي جانبه وقالوا له الجملة الشهيرة “قلاك ربّك يا محمّد” أي تركك أو هجرك، كما مرّت عليه زوجة أبي لهب وقالت له: (ما أرى إلّا أنّ شيطانكَ قد تَركَكَ، فلم نَرَهُ قَرُبك ليلَتين أو ثلاثة)، وبعدها عاد الوحي بسورة الضحى حيث جاء فيها الردّ على كلام الكفّار “ما ودّعك ربّك وما قلى“، وتبع ذلك في نفس السورة “ولسوف يعطيك ربّك فترضى” أي حتّى ترضى، وقد تحقّق هذا في نزول هذه السورة (سورة الضحى)، ورحلة الإسراء التي تبعتها وكانت بمثابة طمأنة من الله سبحانه لرسوله الكريم بشأن ما تعرّض له في ذلك العام من آلام وأذى، وتعويضا له عن كل ذلك.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “نصرت بالرعب مسيرة شهر” ويقال إن الغزاة: إذا خرجوا من ديارهم بالنية الخالصة وضربوا بالطبل وقع الرعب والهيبة في قلوب الكفّار مسيرة شهر في شهر، علموا بخروجهم أو لم يعلموا، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع أوحى الله هذه الآيات، ليعلم أمته بذلك. ولهذه الآية تفسير آخر، قال الزجّاج: لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبيّن أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وقصص الأنبياء وبيّن حكم الربا، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} ثم ذكر تصديق نبيّه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} أي صدّق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدّقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله.

وقيل أنّ سبب نزولها الآية التي قبلها وهي: {للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 284]، فإنه لما أنزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

فقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]. فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: “نعم” {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: “نعم” {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: “نعم” {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: “نعم”. أخرجه مسلم عن أبي هريرة.

قال علماؤنا: قوله في الرواية الأولى “قد فعلت” وهنا قال: “نعم” دليل على نقل الحديث بالمعنى، وقد تقدّم. ولما تقرّر الأمر على أن قالوا: سمعنا وأطعنا، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية، ورفع المشقّة في أمر الخواطر عنهم، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى، كما جرى لبني إسرائيل عكس ذلك من ذمّهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والانجلاء إذ قالوا: سمعنا وعصينا، وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله تعالى، أعاذنا الله من نقمه بمنّه وكرمه.

خصوصيات خواتم البقرة:

  • هي الآية الوحيدة التي سمعها الرسول صلوات الله عليه من الله سبحانه وتعالى عند سدرة المنتهي ليلة الإسراء.
  • هي الآية التي احتوت (تضمّنت) ما قاله الرسول للصحابة فكرّمه الله لتصبح جزأ من آيات القرآن الكريم.
  • كافأ الله سبحانه وتعالى عباده من المؤمنين الذين تقبّلوا أحكامه الشاقّة الصعبة بالقبول والرضاء والطاعة بنسخها ليلة الإسراء بآية أخرى تخفف عنهم عقاب ما يدور بأنفسهم من أفكار سيئة فالنفس أمارة بالسوء، وهذه كانت تأرّقهم.

إن القول بأن آيات خواتم سورة البقرة قد نزلت على الرسول في المدينة لا يعني إطلاقا أن حدث الإسراء قد كان من المدينة، ولا يعني أيضا أنّ الإسراء قد حدث في توقيت وجود الرسول بالمدينة، فقد دخل الرسول صلوات الله عليه أزمنة مختلفة، ورحلة السماء كانت في زمن المستقبل (بعد قيام الساعة) وهي زمنا مستقبليا بالنسبة لكونه في مكة أو في المدينة. وكون أن الرسول قد شاهد أحداثها مسبقا في رحلة السماء ونزل عليه الوحي بما جاء بها بعد ذلك وهو في المدينة فهذا أمرا طبيعيا.