الرئيسية / الأخبار / الجمعة الحزينة .. أم رمضان الحزين ؟
فانوس رمضان .. سيظل مضيئا
قانوس رمضان .. سيظل مضيئا

الجمعة الحزينة .. أم رمضان الحزين ؟

تعودنا كمسلمين بصفة عامة أن نستخدم أسماء أو نعطي تسميات لأمور قد تختلف في واقعها عن مسمياتها. ومن هذه الأمور اسم “الجمعة الحزينة” ويقصد بها آخر يوم جمعة في شهر رمضان الكريم. وعلمنا وتعلمنا أن هذه التسمية سببها الحزن الذي يعم على المسلمين بسبب قرب انتهاء الشهر الكريم وحزنهم على فراقه.

ولكن الذي يفكر قليلا في الأمر يكتشف أن المسلمين قد حولوا حزنهم على انتهاء الشهر إلى حزن ليوم الجمعة الأخير في رمضان على انتهاء الشهر وبحيث لا يتحملوا هم أي عناء من الحزن أو الألم. وفي رأيي أن الأيام والشهور لا تحزن ولا تفرح وإنما تمضي كما أراد لها خالقها وتعود مرة أخرى في التوقيت المقرر لها (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ – يس 40). لذلك لا أستطيع أن أفهم ولا أتقبل وصف يوم الجمعة الأخير في رمضان بأنه “الجمعة الحزينة” فهي لم تتعرض لأي ضرر يدعوها للحزن !! فلماذا هذه التسمية؟ ولماذا لا توجد جمعة سعيدة؟ أليست جمعة يوم 1 في الشهر جمعة سعيدة لأنها تأتي مع وصول الراتب الشهري وما قد يتبعه من سعادة تعم على أهل البيت لتوفر النقود لتغطية الاحتياجات المطلوبة؟ ولماذا لا تكون هناك جمعة العطش أو الجفاف في شهور الصيف وجمعة الري مع الفيضان وجمعة الخير مع وقت الزكاة إلى غير ذلك من المناسبات؟ ولكننا أو أغلبنا سيعترض ويقول أن يوم الجمعة – أو أي يوم آخر – ليس مسئولا عما يقع فيه من أحداث .. إذن لماذا نحمل اليوم مسئولية أمور لا يمكن أن يكون مسئولا عنها؟ وهو انتهاء شهر رمضان. أعتقد أن السبب هو عدم رغبة الناس في تحمل أي مسئولية في أي موضوع أيا كان نوعه ولذلك يقومون بإزاحة المسئولية إلى أقرب طرف أو جهة يمكن تحميلها المسئولية بدلا منهم. ومن هنا تصبح الجمعة الأخيرة في رمضان مسئولة عن انتهاء الشهر وتتحمل وحدها مسئولية الحزن عليه بعيدا عن دماغ المسلمين الذين لا يجدون وقتا للحزن فلديهم ما يشغلهم وما يكفيهم من الأشغال والأعمال مهما بلغت تفاهتها.

وقياسا على ما سبق فالمفروض أن يكون رمضان هذا العام هو أيضا “رمضان الحزين” فقد جاء في ظل قيود لم يسبق لها مثيل على حركة الناس وأعمالهم ومسئولياتهم، فلا خروج ولا ذهاب للمدارس والجامعات ولا صلاة في المساجد والكنائس وغيرها من دور العبادة، ولا حتى تجمعات عائلية لاحتفالات عائلية وأسرية بسيطة. كل شيئ ممنوع تنفيذا لأوامر كوفيد 19 الآمر الناهي في هذه الأيام. ألم يكن مفروضا – طبقا لقواعد إجراءات وخطط المسلمين – أن يكون رمضان هذا العام هو “رمضان الحزين”؟ سيخرج الجميع بالفتوى أحيانا وبالطبل أحيانا أخرى ويقولوا لنا: إن رمضان لا يحزن .. بل على المسلمين أنفسهم أن يحزنوا وأن يتوبوا إلى الله ويستغفروه على ما ارتكبوه من ذنوب وأخطاء حتى يرفع عنهم هذا البلاء!

وهنا أتساءل: هل المسلمون وحدهم هم المذنبون الخطائون أم أن العالم كله مشترك في هذه الذنوب والأخطاء؟ فلماذا يتحمل المسلمون وحدهم هذا الذنب؟ والإجابة بسيطة: ألم يشارك المسلمين غير المسلمين في ارتكاب هذه الذنوب وفعل هذه الأخطاء؟ فلماذا يظنوا أن العقاب سيقع في غير المسلمين ويبقى المسلمين وحدهم بلا عقاب؟ هذا هو مربط الفرس ولبّ المشكلة. فالمسلمين (عموما وليس حصريا) يظنون أنهم بعيدين عن الحساب والمساءلة ويظنون كما جرت العادة أن الله سيكون (غفور رحيم بهم .. شديد العقاب لغيرهم) مع أنهم مشتركين في نفس الجريمة.

هذا التفكير المنحرف الذي يتمتع به كثير من المسلمين هو الذي يوقعنا في كثير من المصائب ونتعجب عندما يصيبنا الضرر نتيجة لما ارتكبناه من أخطاء وذنوب. فمتى يفيق المسلمين؟ ويعودوا للطريق الصحيح الذي أمرهم الله بالسير فيه دائما حفاظا على الأرض والعرض والأمن والأمان والحياة الكريمة دون تجاوز أو تعدي على حقوق الغير؟

إن الجمعة لا تحزن ورمضان لا يحزن ولن يكون حزينا، الذي يجب أن يحزن هم المسلمين والذي يجب أن يصحح أوضاعه هم المسلمين والذي يجب أن يعيد النظر في تصرفاته وأعماله هم المسلمين. وعندما يفعلوا ذلك بإخلاص وبرغبة في التوبة الحقيقية، فسوف يغفر الله لهم ذنوبهم بمشيئته ويرفع مقته وغضبه عنهم، وعندئذ يكونوا عبرة لغيرهم فيتعلم الآخرين منهم وينصلح أمر الجميع. وإن لم يفعلوا فعليهم أن يتذكروا قوله تعالى (حتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير وعسى أن يأتي رمضان القادم وقد رفع الله الغمة وأزال الضر، وهدانا وإياكم سبيل الرشاد والصراط المستقيم.